فى ظل تنامي التحديات البيئية والمناخية التي تواجه المدن الساحلية حول العالم، باتت الحاجة ملحة لتبني نماذج تنموية متوازنة تضمن استدامة هذه المدن وحيويتها الاقتصادية والاجتماعية، ولمواجهة هذه المتغيرات، تتجه الدول نحو تطوير حلول مبتكرة في التخطيط والتشغيل والإدارة، تحقق التوازن بين النمو والحفاظ على البيئة.
في هذا السياق، ركزت المناقشات المفتوحة بالدورة العاشرة لملتقى “بُناة مصر” 2025، على سبل إتاحة فرص تبادل المعرفة والخبرات واستعراض التجارب الدولية الناجحة في بناء مدن ساحلية، قادرة على التكيف مع التغيرات، وجاذبة للاستثمارات، ومتكاملة بيئيًا وعمرانيًا.
واستعرضت فعاليات الملتقى فى جلسة نقاشية موسعة نماذج من دول قطعت شوطًا في تطوير المدن الساحلية وفق مبادئ الاستدامة، مع التركيز على آليات الإدارة الفعالة، وتطوير البنية التحتية الذكية، وتعزيز الاقتصاد الأزرق، بما يفتح آفاقًا جديدة أمام صانعي القرار والمخططين في مصر والمنطقة، كما صبت اهتمامها على إرساء قاعدة للتعاون الدولي وتبادل المعرفة، بما يسهم في دعم الخطط الوطنية والإقليمية لإنشاء مدن ساحلية ذكية، مرنة، وآمنة للأجيال القادمة.
شارك في الجلسة كل من المهندس محمد سامي سعد، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، والدكتور محمد بيومي، مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في مصر، وتوفيق شيرادي، رئيس لجنة التكوين بالجامعة الوطنية المغربية للبناء والأشغال، والمهندس ضاري برجس البرجس، عضو مجلس الإدارة وأمين السر للاتحاد الكويتي للمقاولين، بالإضافة إلى المهندس أحمد الدب، مدير إدارة الدراسات والتصاميم بجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق في ليبيا، وأدارت الجلسة دينا عبدالفتاح أمين عام ملتقى بناة مصر.
رئيس هيئة التنمية السياحية: خطة مستدامة قائمة على حماية الموارد وتنوع الفرص الاستثمارية
الدكتور مصطفى منير، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتنمية السياحية، أكد أن وزارة السياحة المصرية تخطط بعناية لطرح فرص استثمارية مدروسة في المحافظات السياحية، خاصة في البحر الأحمر وجنوب سيناء، وأوضح أن أولى خطوات التخطيط هي حصر وتصنيف الموارد السياحية، باعتبارها الأساس الذي تُبنى عليه استراتيجية التنمية المستدامة، مشيرا إلى أن الوزارة تُجري تصنيفات دقيقة للموارد السياحية حسب طبيعتها ودرجة حساسيتها، ثم يتم إعداد مخططات تفصيلية لكل منطقة، تتضمن الضوابط والاشتراطات الفنية التي تضمن حماية تلك الموارد.
وأضاف أنه إذا تعرضت هذه الموارد لأي تأثير سلبي، فإن السياحة نفسها ستتأثر بشكل كبير لذلك يتم العمل وفقًا لطبيعة كل مورد، لافتا إلى وجود مناطق يمكن التوسع فيها في السياحة التقليدية، وأخرى ذات حساسية متوسطة تُراعى فيها ضوابط مختلفة، في حين أن المناطق شديدة الحساسية لا يُسمح بالاقتراب منها حفاظًا على التنوع البيولوجي، كما أوضح أن هذا النهج معمول به منذ أكثر من 25 عامًا، بالتعاون مع المنظمات الدولية، وهيئات حماية الشواطئ والبيئة، مثل منظمة السياحة العالمية (UNWTO) وهيئة المعونة الأمريكية (USAID)، بالإضافة إلى جهاز شؤون البيئة وهيئة حماية الشواطئ.
وشدد على أن التنمية السياحية تسير وفق خطة واضحة منذ بدايتها في عام 1992، وتراعي التنوع الجغرافي والبيئي والثقافي، وتستهدف تحقيق تكامل حقيقي بين أنواع السياحة المختلفة، مشيرًا إلى أن هناك مناطق تاريخية وتراثية ودينية تفتح المجال أمام فرص استثمارية متنوعة، كما أكد أن هيئة التخطيط العمراني قد تبنت استراتيجية التنمية السياحية الشاملة على مستوى الدولة، ووضعت “المخطط القومي الذي حدد المناطق المتاحة لإنشاء المدن السياحية الجديدة”، موضحا أن الوزارة تتابع تنفيذ المشروعات خطوة بخطوة، من مرحلة الطرح وحتى التشغيل، لضمان حماية الموارد الطبيعية وتحقيق تنمية مستدامة حقيقية.
محمد سامي سعد: المدن الساحلية تجذب استثمارات ضخمة بالبنية التحتية ونسب إشغالها خارج الصيف تؤكد فاعليتها
فى سياق متصل، أكد المهندس محمد سامي سعد، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، أن الشركات المصرية حققت إنجازات كبيرة في تنمية وتطوير البنية التحتية الذاتية التي تدعم استراتيجيات التوسع العمراني في المدن الساحلية.
وأوضح أن الشركات المصرية اكتسبت خلال الفترة الماضية خبرة واسعة ومتميزة بالسرعة والدقة في تنفيذ البنية الأساسية لجميع المشاريع، مشيراً إلى أن العمل في المدن السياحية الساحلية يمثل استثماراً طويل المدى يحرك المرافق والطرق والإنشاءات، كما أضاف أن الاستثمار في الماضي كان يدور حول نهر النيل، وكانت معظم الاستثمارات تتكثف في هذه المنطقة، أما اليوم فالاستثمار ينتقل إلى البحر بحيث تظل هذه المدن تعمل لفترات طويلة، وليس فقط لثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر.
وأشار إلى تحقيق نسب إشغال تتراوح بين 40% و60% في الفترات خارج موسم الصيف، وهي نسبة إشغال عالية تتيح للشركات العمل بفاعلية، كما لفت إلى أن هذا التطور حل مشكلة سابقة كانت تعاني منها الشركات، حيث كانت فترة العمل في الساحل محدودة جداً، ما كان يؤدي إلى توقف المقاولين بعد فترة عمل قصيرة، إلا أنه بفضل إضافة الجامعات والمدن الصناعية، أصبح العمل للمقاولين مستمراً تقريباً طوال العام، وذكر أن جزءاً كبيراً من الزيادة في مساحة العمران المصري، التي ارتفعت من 7% إلى 15%، تم تحقيقها بفضل وجود هذه المدن واستمراريتها.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تعاون مصري أممي لإعداد مخطط الإسكندرية 2030 وتنفيذ مشروعات لحماية المدن الساحلية
محمد بيومي: قرار وزاري مرتقب لتشكيل لجنة للتنمية المستدامة بالمدن الساحلية
على جانب آخر، قال الدكتور محمد بيومي، مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في مصر، إن هناك تعاونًا وثيقًا مع الحكومة المصرية، خاصة وزارة الإسكان، لإعداد المخطط الإستراتيجي لمحافظة الإسكندرية ضمن رؤية “الإسكندرية 2030″، مضيفا أن منطقة البحر المتوسط تحظى باهتمام خاص من البرنامج، حيث يُنفَّذ عدد من المشروعات التخطيطية والتنموية بالشراكة مع الوزارات والجهات المعنية.
وأوضح أن التعاون مع وزارة التعاون الدولي أسفر عن إزالة الألغام من مناطق الساحل الشمالي، ما ساعد في تهيئة المناخ لجذب استثمارات جديدة بعد تطهير تلك المناطق، كما أشار إلى أن التغيرات المناخية تمثل أحد أبرز التحديات التي يعمل عليها البرنامج بالتعاون مع وزارتي البيئة والموارد المائية، من خلال تنفيذ مشروعات تهدف إلى حماية المدن والمناطق الساحلية من خطر ارتفاع منسوب سطح البحر، باستخدام تقنيات صديقة للبيئة تقلل من الخسائر البشرية والمادية.
وكشف عن مشروع جديد للحد من الآثار الجوية السلبية، إلى جانب خطط لتحديث البنية التحتية للمدن الساحلية، مشيرًا إلى أن مجلس الوزراء بصدد إصدار قرار لتشكيل لجنة للتنمية المستدامة بالمدن الساحلية، كما سلط الضوء على الجهود المبذولة لتحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء مستدامة، بالتعاون مع وزارتي البيئة والسياحة، وذلك في إطار التوجه العالمي نحو السياحة البيئية التي تراعي الحفاظ على التنوع البيولوجي، وترشيد استهلاك الطاقة، وتشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة، مشيرا إلى أن المشروع بدأ فعليًا مع استضافة مصر لمؤتمر الأطراف للمناخ (COP27)، والذي ساهم في إيجاد زخم حكومي واسع وتعاون مؤسسي ملموس.
وأكد أن مدينة شرم الشيخ شهدت طفرة في مجال الطاقة الشمسية، حيث تضاعفت قدرات محطات الطاقة الشمسية بها أكثر من 10 مرات منذ عام 2020، لتصل إلى قدرة إجمالية تبلغ نحو 50 ميجاوات، وهو رقم كبير يعكس جدية التوجه، كما أوضح أن القطاع السياحي أبدى اهتمامًا واضحًا بهذا التحول، إذ قامت أكثر من 10 فنادق بتركيب محطات للطاقة الشمسية، فيما تستعد 10 فنادق أخرى لتطبيق الخطوة نفسها خلال الفترة المقبلة، وأشار إلى أن التحول نحو الطاقة النظيفة لا يقتصر على البُعد البيئي فقط، بل يشمل عوائد اقتصادية ملموسة، إذ باتت الفائدة المالية للاستثمار في الطاقة المتجددة واضحة للمستثمرين، خاصة مع انخفاض تكاليف الكهرباء، ما يشجع على مزيد من التوسع في هذا الاتجاه.
كما استعرض جهود البرنامج في مجالات أخرى مرتبطة بالتنمية المستدامة، مثل تطوير وسائل النقل العام المستدام في المدن، والحفاظ على الموارد المائية، بالإضافة إلى حماية المناطق ذات الأنظمة البيئية الهشة، مثل الشعاب المرجانية وأشجار المانجروف، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للدخل السياحي وتتطلب خطط إدارة دقيقة لضمان استدامتها، وأشار إلى أهمية المدن الجديدة الجاري إنشاؤها ضمن خطة وزارة التخطيط العمراني، ودورها المتوقع في المستقبل لدعم التنمية المستدامة بمفهومها الشامل.
أحمد الدب: خطة ليبية لتنمية الشريط الساحلي بطول 1200 كم ودعوة لمشاركة دول الجوار في إعادة الإعمار
من جانبه، قال المهندس أحمد الدب، مدير إدارة الدراسات والتصاميم بجهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق في ليبيا، إن بلاده وضعت رؤية إستراتيجية لتنمية الشريط الساحلي الممتد بطول 1200 كيلومتر على الساحل الشمالي للبلاد، بهدف تحقيق نقلة نوعية في مجال التنمية العمرانية والسياحية.
وأوضح الدب أن شريط الساحل الليبي يتمتع بفرص واعدة للتنمية والاستثمار، لكنه يواجه تحديات كبيرة على رأسها غياب البنية التحتية الأساسية اللازمة للانطلاق في مشروعات التطوير بشكل فعّال، مشيرًا إلى أن هذا النقص يمثل عقبة حقيقية أمام جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة في تلك المناطق، كما أكد أن عدم الاستقرار السياسي والأمني خلال السنوات الماضية كان له أثر بالغ في تباطؤ عمليات التنمية والتخطيط العمراني في ليبيا، إلا أن البلاد تعمل في الوقت الراهن على وضع خطط مدروسة لتهيئة المناخ للاستثمار والشراكة.
وشدد الدب على أهمية مشاركة دول الجوار، وفي مقدمتها مصر، في عملية إعادة الإعمار والتنمية في ليبيا، سواء من خلال تبادل الخبرات أو تنفيذ مشروعات مشتركة، مؤكدًا أن الارتباط الجغرافي والاقتصادي بين دول شمال أفريقيا يفتح آفاقًا رحبة للتعاون، خصوصًا في مجالات البنية التحتية، السياحة، والإسكان.
وأضاف أن الاستفادة من التجربة المصرية في تطوير المدن الجديدة والمدن الساحلية يعد نموذجًا ملهمًا، لافتًا إلى أن ليبيا تسعى إلى تطبيق منهج تنموي قائم على الاستدامة والتكامل الإقليمي، يضع الإنسان في صميم عملية البناء ويعزز من دور المدن الساحلية كمحركات للنمو الاقتصادي.
الاتحاد الكويتي للمقاولين: تأثير سلبي مؤقت للأحداث الجيوسياسية على المشاريع التنموية السياحية
في سياق ذي صلة، أكد المهندس ضاري برجس البرجس، عضو مجلس الإدارة وأمين السر للاتحاد الكويتي للمقاولين، أن الوضع بالمنطقة الناتج من تصاعد الأحداث الجيوسياسية مؤقت ولن يعيق المشاريع التنموية السياحية التي تبدأ من الكويت حتى عمان بتنفيذ على أعلى مستوى، وأضاف أن الدول المجاورة تصدر للكويت تجارب ناجحة في تطوير القطاع العقاري، مشيرا إلى جار دراسة قوانين تمنح تملك المشاريع والوحدات بالكويت لغير الكويتيين خلال الفترة المقبلة.
الجامعة الوطنية المغربية للبناء: المملكة تعتزم التوسع في تدشين مناطق سكنية وصناعية ساحلية ومستدامة
فيما قال توفيق شيرادي، رئيس لجنة التكوين بالجامعة الوطنية المغربية للبناء والأشغال، إن بلاده تمكنت من تطوير ميناء طنجة على ساحل البحر بهدف تنفيذ مناطق صناعية تضم أكبر مصنع للسيارات فى أفريقيا.
وأوضح أن المملكة المغربية شيدت مناطق سكنية وصناعية على سواحل المحيط، لافتا إلى امتلاكها سواحل بطول 3500 كم، 60% منها مناطق سكنية، مضيفا أن المغرب يستهدف التوسع بتنفيذ المناطق الصناعية بهدف توفير فرص واعدة لعمل الشباب لتقليص الفوارق بين الطبقات، وأشار إلى أن بلاده تعانى من ارتفاع مستوى البحر ما قد يهدد بغرق المدن الذي تقع على ساحله، علاوة على ارتفاع ملوحة التربة ما يؤثر على جودة المحاصيل الزراعية التى يتم يتوافرها للجمهور.