إرتباطا بتوسع الدولة فى طروحات المشروعات القومية الكبرى خلال السنوات الماضية ، حققت صناعة التشييد طفرة غير مسبوقة على مستوى حجم الأعمال المنفذة محليا ، والتى دعمت الشركات فى نمو محفظة الأعمال لديها ورفع قدراتها الفنية وتأهيلها للمنافسة فى مختلف المجالات، إذ إكتسبت الشركات المصرية خبرات قوية فى تنفيذ مشروعات الأنفاق والبنية التحتية وشبكات الطرق ومشروعات المدن الجديدة ، فضلا عن مشروعات الطاقة التى شهدت تحولات كبرى فى الدولة ، ودفعت طفرة النمو فى مشروعات الدولة العديد من شركات المقاولات للتوسع وإعادة هيكلة أوضاعها الفنية ، حيث حرصت عددا من الشركات الكبرى على تعزيز حجم المعدات المملوكة لها والتوسع فى إنشاء شركات تابعة فى مجالات الصيانة والخرسانة الجاهزة والتركيبات ، تكون بمثابة أذرع رئيسية لها فى تنفيذ المشروعات المتعاقد عليها بالدولة .
ولاتزال مشروعات الدولة المستمرة فى استكمال تدشين المدن الجديدة ، إلى جانب مشروعات النقل العملاقة ، وطروحات الأعمال الخاصة بمشروعات التنمية ضمن مبادرة حياة كريمة ، تمثل مصدرا قويا لأعمال شركات المقاولات محليا ، إلا أنه مع التحولات المستمرة فى الأوضاع الاقتصادية الراهنة وحدوث تأثيرات سلبية بتبعات الأزمات العالمية وتغير سعر الصرف ، وإرتفاع معدلات التضخم وتوجه الدولة لترشيد الإنفاق على المشروعات فى 2023 ، تواجه صناعة التشييد تحديا جديدا فى ضمانة إستمرارية مؤشرات النمو فى فرص الأعمال داخليا .
فى هذا الإطار أكد عددا من خبراء الصناعة على ضرورة مواجهة كافة التحديات التى تفرضها التحولات الاقتصادية الراهنة على شركات المقاولات عبر بحث بدائل جديدة تستوعب طاقات الشركات على إختلاف مجالاتها ، وتضمن الحفاظ على معدلات نمو جيدة للكيانات العاملة بالصناعة خلال السنوات المقبلة .
وأكدت المهندسة راندا حافظ ، رئيس مجلس إدارة شركة كونسيرف للمقاولات ، أن قرارات الدولة بتقييد وترشيد عمليات الصرف على المشروعات الجديدة أمر حتمى لتنظيم الأوضاع داخليا فى ظل التأثر بالتغيرات الاقتصادية ، مضيفة أن وضع ضوابط جديدة على تنفيذ المشروعات أمر متوقع لتجنب مخاطر التعثر .
وأشارت إلى أن شركات المقاولات تواجه أعباء ضخمة تتمثل فى ارتفاع الأسعار محليا وصعوبة توفير الخامات المستوردة التى تُشكل مكون رئسى فى عدد كبير من المشروعات ، بالإضافة إلى زيادة كلية فى تكلفة التنفيذ وصلت إلى 60 % حتى الآن على إختلاف طبيعة المشروعات.
تابعت: أن صناعة التشييد لديها بدائل للتعامل مع التغيرات الاقتصادية وتبعاتها القوية على الشركات ، وذلك عبر مخرجين رئيسيين، يتمثل الأول فى استغلال فرص الأعمال المتاحة بالأسواق الخارجية ، والتى تمثل مخرج رئيسى للقطاع ، حيث تتزايد فرص الأعمال المطروحة فى أسواق الدول العربية والأسواق الأفريقية التى لا تزال بها فرص واعدة تستوعب طاقات شركات المقاولات فى مختلف المجالات، كما أن إرتفاع حجم الاستثمارات الجديدة بالسعودية يجعلها البديل الأمثل أمام شركات المقاولات لتعويض نمو الأعمال ، وضمان فرص جديدة للمشروعات الكبرى فى السنوات المقبلة، كما لفتت إلى أن المخرج الثانى لمواجهة التحديات الراهنة يتمثل فى التصنيع والعمل على دعم صناعات المواد الخام المحلية وخفض الاعتماد على الخامات المستوردة.
وأصدرت الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى ، رئيس مجلس الوزراء ، عدة قرارات بشأن ضوابط وقواعد ترشيد الإنفاق العام ، تمثلت فى ، تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء فى تنفيذها ولها مكون دولارى واضح ، وعدم الترخيص بالصرف على الأغراض المحظور الصرف عليها وذلك على سبيل الاستثناء إلا فى الأحوال التى يقدرها مجلس الوزراء ، كما تلزم موافقة وزارة المالية بالترخيص بالصرف بالمكون الأجنبى على أى من أوجه الصرف بالتنسيق مع البنك المركزى والجهات المعنية ، وتأجيل الصرف على أية احتياجات غير ضرورية وترشيد كافة أعمال السفر للخارج إلا للضرورة القصوى بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء .
أضاف المهندس شمس الدين يوسف، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء ، أن حجم الإنفاق الحكومى على المشروعات الكبرى تأثر بشدة خلال 2022 الماضى على إثر تداعيات التغيرات الاقتصادية ، مشيرا إلى تأثر كافة جهات إسناد الأعمال المتمثلة فى الهيئات الحكومية سلبا بالظروف الاقتصادية ، ويتضح ذلك فى حجم طروحات الأعمال وآليات الصرف لمستحقات الشركات .
أشار إلى أن الأسواق الخارجية تمثل مصدر رئيسى لضمانة استمرارية نمو فرص المشروعات المتاحة أمام شركات المقاولات خلال الفترة المقبلة ، مضيفا أن أسواق العراق وليبيا والسعودية تمتلك فرص أعمال متنوعة تمثل مصدر رئيسى للأعمال بالخارج أمام الشركات، لافتا إلى توقيع عددا من الشركات المصرية لاتفاقيات عمل على مشروعات متنوعة فى العراق خلال العام الماضى.
وأوضح المهندس أمل عبد الواحد ، العضو المنتدب لشركة ريدكون للتعمير ، أن فرص الأعمال فى الأسواق الناشئة أمام الشركات المصرية أصبحت مسارا حتميا أمام القطاع فى الفترة الراهنة ، فى ظل عدم استقرار الأوضاع ووجود تحديات متتالية تتطلب التوجه إلى مسارات بديلة .
تابع: أن مختلف الأنشطة الاقتصادية تأثرت بقوة بحجم التغيرات الاقتصادية المتتالية ، كما شهدت صناعة التشييد ارتفاعا فى أسعار خامات البناء ووجود صعوبات فى توفير الخامات المستوردة من الخارج ، موضحا أن التوسع المستهدف للقطاع بالخارج يتطلب بحث فرص أعمال قوية بالإضافة إلى تمويلات ميسرة للتنفيذ.