إتفاقات لبناء مدن جديدة ذكية بدول زيمبابوى وتنزانيا وغانا وغينيا كوناكرى
أحدثت المتغيرات الاقتصادية والتحديات المتتالية توجها قويا لصناعة التشييد والبناء بالتصدير للخارج والحصول على فرص أكبر للأعمال فى أسواق الدول الخارجية وبخاصة داخل الدول الأفريقية والتى تمتلك مخططات تنموية ضخمة، وتعتمد على مؤسسات التمويل الدولية فى تمويل مشروعات التنمية العملاقة بها ، ومع استمرار التوقعات بإنخفاض حجم الأعمال المُتاحة بالسوق المحلية أمام قطاع التشييد والبناء بعد إنتهاء تسليم حزمة ضخمة من المشروعات القومية فضلا عن إتجاه الحكومة لتقليص حجم الإنفاق على المشروعات القومية ، إتجهت شركات المقاولات للعمل بقوة فى الأسواق الخارجية بما يستوعب قدراتها وإمكاناتها ويتلائم مع نمو حجم الأعمال المستهدف لها خلال السنوات المقبلة.
وشهد قطاع التشييد والبناء المصرى توجه الشركات الكبرى لتأسيس أفرع رئيسية بعددا من أسواق الدول الخارجية العربية والأفريقية لتيسييرفرصها فى التصدير والحصول على حصص أعمال جديدة، كما إتجهت بعض الشركات لتكوين تحالفات مع شركات كبرى لتمكينها من العمل بالخارج، إلى جانب ذلك إتجهت عددا من الشركات الكبرى للتوسع فى أنشطة أخرى إلى جانب مجال البناء بغرض تعزيز فرص الأعمال وضمانا لاستمراريتها فى السوق وهربا من التخارج والركود .
وبلغت حصيلة صادرات قطاع التشييد والبناء بالدول الخارجية خلال العامين الماضيين 2 مليار دولار ، وذلك عن تنفيذ حزمة من المشروعات بعددا من الدول الأفريقية والعربية ، وتستهدف الشركات مضاعفة حصيلة أعمالها بالخارج خلال الأعوام المقبلة بما يساهم فى رفع مؤشرات النمو للقطاع واستيعاب طاقة الشركات ، إلى جانب تحقيق أقصى إستفادة من الفرص التنموية المطروحة بالقارة الأفريقية ودول إعادة الإعمار العربية .
وفى هذا السياق ، يؤكد عددا من خبراء قطاع التشييد والبناء على أهمية بحث منافذ عديدة لتعظيم فرص التصدير لصناعة التشييد والبناء وصناعات مواد البناء بالإضافة إلى تصدير خبرات مكاتب الاستشارات الهندسية المصرية ، مشيرين إلى أن فكر بناء المدن الجديدة التى يتحول إليها العالم حاليا لمواكبة الحداثة والإستدامة ومعايير البناء الأخضر والاعتماد على الطاقة الجديدة ، يمثل مخرجا رئيسيا لتصدير التجربة المصرية فى التعمير وبناء المدن الجديدة ومشاريع الاستثمار العقارى المتطورة ، وهو ما يفتح منفذا جيدا أمام الشركات المحلية ومصنعي مواد البناء خلال السنوات المقبلة .
“تكرار التجربة المصرية فى التنمية”
من جانبه ، قال المهندس حسن عبد العزيز ، رئيس الاتحاد الأفريقى لمنظمات مقاولى التشييد والبناء ، أن تجربة مصر فى تدشين المدن الجديدة وتميز السوق المصرية بمشروعات ناجحة وقوية فى مجال الاستثمار العقارى ، فضلا عن مشروعات التنمية السياحية المتطورة بالدولة والخبرات الهائلة فى بناء الأبراج العملاقة ، تمثل فرص جيدة للشركات المصرية فى الاستحواذ على فرص أعمال متنوعة بعددا من الدول الأفريقية والعربية ، مؤكدا أن المشروعات القومية المصرية والتطور الهائل فى مجالات الاستثمار العقارى والسياحى إلى جانب توطين الصناعات الثقيلة بالدولة فى مجال النقل وتطوير الموانئ ، فضلا عن المشروعات العملاقة فى مجال الكهرباء والطاقة ، أصبح محط أنظار كافة دول العالم وخاصة الدول الأفريقية الطامحة للتنمية التى تسعى لتكرار نماذج التنمية المصرية فى دولهم وبالإستعانة بالكوادر المصرية المتميزة .
أشار إلى أن إنخفاض جودة الأعمال المُقدمة من الشركات متعددة الجنسيات التى تعمل فى القارة الأفريقية وفى مقدمتها الشركات الصينية ، دفعت حكومات الدول الأفريقية بتقديم عروض ضخمة أمام الجهات المصرية لتمكين دخول الشركات المصرية المتخصصة للعمل فى الحجم الهائل من مشروعات البنية التحتية والإسكان والطاقة المتاحة بها ، لافتا إلى أن قطاع التشييد والبناء حقق محفظة أعمال تجاوزت 2 مليار دولار فى أسواق الدول الأفريقية خلال العامين الماضيين ، ويمتلك قدرات قوية لمضاعفة حصيلة الأعمال وتحقيق معدلات صادرات قوية للغاية خلال السنوات المقبلة إذا ما توافرت له كافة الإمكانيات الداعمة للحصول على حصص أعمال كبيرة بالخارج.
“الدعم السياسى”
أضاف أن عددا من حكومات الدول الأفريقية طرحت إنشاء مدن جديدة ذكية على غرار مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ، وعرضت الإستعانة بالخبرات المصرية فى مجالات التخطيط والتصميم والتنفيذ ، ويأتى فى أبرزهم جمهورية زيمبابوى ودولة تنزانيا وغانا وغينيا كوناكرى ، وأوضحت هذه الدول أنها تعانى عجزا قويا فى توافر الوحدات السكنية الملائمة لقاطنيها ، بالإضافة إلى حاجتها لتأسيس بنية تحتية قوية ، فضلا عن استغلال موقعها الجغرافى فى تطوير الموانئ ، وتدشين مشروعات جديدة فى مجال الطاقة ، وإلى جانب ذلك فإن العواصم القديمة للدول الأفريقية أصبحت غير قادرة على أن تواكب متطلبات التنمية وغير صالحة للتحول لمدن ذكية ومطورة ، كما لفت إلى أن الدعم السياسى يلعب دورا هاما فى تعزيز فرص تصدير صناعة التشييد والبناء وصادرات صناعات مواد البناء المختلفة ، والتى يُمكن أن تتحول لمصدر ضخم للعملة الأجنبية خلال السنوات المقبلة ، مشيرا إلى أن العلاقات المصرية الراهنة بدول أفريقيا دعمت قيام كبار المسئولين بحكومات القارة بإجراء زيارات مختلفة لمواقع المشروعات الكبرى والمدن الجديدة فى مصر وعقد لقاءات مع الشركات المصرية المنفذة لهذه الأعمال ، ومكاتب الاستشارات الهندسية للإستفادة بالخبرات المصرية ودراسة إمكانية الإستعانة بها فى تنفيذ مخططات التنمية إفريقيا .
“التمويلات الدولية للمشاريع الكبرى”
على جانب آخر، قال المهندس محمد سامى سعد، رئيس الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء ، أن التجربة المصرية فى بناء المدن الجديدة الذكية والمطورة قابلة للتكرار فى العديد من الدول الخارجية إذا ما توافرت لها نفس الظروف والإمكانات التى تسمح بإقامة مجمعات سكنية وتعليميمة وطبية مطورة وحديثة بالإضافة إلى مشاريع هائلة فى الأنشطة الاستثمارية المختلفة على غرار مشروع “العاصمة الإدارية الجديدة” ، كما لفت إلى أهمة توافر مصادر التمويل الدولية لمشروعات المدن الجديدة بالخارج لتمكين الشركات المصرية من الحصول على فرص أعمال قوية بها ، مع تيسيير آليات العمل أمام الشركات المصرية بما يسمح بتحقيق عوائد استثمارية جيدة عن العمل فى الخارج .
وأضاف أن مشروع بناء مدينة جديدة بجمهورية زيمبابوى بالتعاون مع شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية يمثل فرصة للشركات المصرية فى العمل بالخارج فى ظل تقلص وانخفاض حجم الأعمال محليا والمتوقع أن يستمر خلال الأعوام المقبلة ، مما يشكل تحديا آخر أمام الشركات المصرية فى مجال التشييد والبناء وبخاصة الشركات الكبرى والتى تمتلك حجم ضخم من المعدات وكوادر بشرية بأعداد هائلة ، تتطلب توفير فرص أعمال مستمرة لها للابتعاد عن مخاطر الركود.
“نصف تريليون جنيه حصيلة أعمال شركات المقاولات سنويا”
وأوضح أنه على الرغم من تنامى فرص مشروعات الاستثمار العقارى بالسوق المحلية فى الوقت الراهن ، إلا أنها لا تعتبر كافية وحدها لاستيعاب طاقات شركات المقاولات المحلية ، كما أن تراجع القدرات الشرائية للعملاء وارتفاعات الأسعار قد يحدث تباطؤ فى مؤشرات التنفيذ بالمشاريع الجديدة ، لافتا إلى أن توجه شركات المقاولات للخارج واقتناص فرص أعمال جديدة بالدول الأفريقية والعربية أصبح ضروريا وملحا لإستمرار النشاط ، خاصة وأن قطاع شركات المقاولات محليا يُنفذ أعمال سنوية تتخطى نصف تريليون جنيه، وهو ما يؤكد حاجة القطاع لفتح فرص أعمال جديدة ، فضلا عن ضرورة توجه الشركات الكبرى بالقطاع لخلق أذرع استثمارية جديدة والتحول لنشاط التطوير العقارى والصناعى والزراعى بما يفتح فرصا أرحب للعمل وضمانا للإستمرارية.
ووقعت جمهورية زيمبابوى خلال الشهر الجارى مذكرة تفاهم مع شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية للإتفاق على الإستعانة بخبرات الشركات المصرية المنفذة لمشروعات العاصمة فى إقامة مدينة جديدة ذكية بزيمبابوى، مع الإشراف على إدارة المشروع ، وتمكين الدولة من التعاون مع مكاتب الاستشارات الهندسية التى تولت تصميم مشروع العاصمة ، حيث تُقام المدينة الجديدة على مساحة تتخطى 2.5 مليون متر مربع ، ومن المُخطط أن تضم مباني البرلمان والوزارات بالإضافة إلى المباني السكنية والتجارية ، إذ تستهدف المدينة الجديدة توفير نحو 600 ألف وحدة سكنية ، بالإضافة لتأسيس مشروعات ضخمة فى مجالات البنية التحتية والكبارى ، وإلى جانب ذلك تُعانى دولة زيمبابوي عجزاً بحوالي 2.1 مليون وحدة سكنية في منظومتها العقارية نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة في البلاد، وهو ما يصنع فرصاً كبيرة للعمل والإنتاج أمام شركات المقاولات و الشركات العاملة في قطاعات مواد البناء المختلفة، كما أن دولة زيمبابوى شأنها شأن أغلب الدول الأفريقية تعاني نقصاً في خدمات البنية التحتية، وتحديداً شبكة الطرق التي تحتاج لمزيد من التطوير ، وهو ما يمثل فرصا أمام شركات المقاولات المتخصصة فى مجال البنية الأساسية.
“تقلص طروحات المشروعات العملاقة محليا”
وأكدت المهندسة راندا حافظ ، رئيس مجلس إدارة شركة كونسيرف للمقاولات ، أن التطورات الجارية فى مخططات التنمية بالدول الخارجية تمثل مخرجا رئيسيا أمام صناعة التشييد للتغلب على التحديات التى فرضتها التغيرات الاقتصادية وتبعاتها القوية على الشركات ، مشيرة إلى ضرورة استغلال فرص الأعمال المتاحة بالأسواق الخارجية ، حيث تتزايد فرص الأعمال المطروحة فى أسواق الدول العربية والأسواق الأفريقية التى لا تزال بها فرص واعدة تستوعب طاقات شركات المقاولات فى مختلف المجالات، كما أن إرتفاع حجم الاستثمارات الجديدة بالسعودية والتى يتم طرحها بقوة فى الوقت الراهن يجعلها البديل الأمثل أمام شركات المقاولات لتعويض نمو الأعمال ، وضمان فرص جديدة للمشروعات الكبرى فى السنوات المقبلة، كما لفتت إلى أهمية التركيز على تصدير الصناعات المصرية ودعم فرص صناعات مواد البناء الخام فى الانتشار بالقارة الأفريقية .
أوضحت أن السوق المحلية مقبلا على حالة من التباطؤ على مستوى حجم طروحات الأعمال وخاصة المشروعات العملاقة، فى إطار تطبيق قرارات الدولة بتقليص حجم الإنفاق الحكومى على المشروعات محليا والمتوقع أنه سيدفع بوتيرة من التباطؤ فى نسب النمو المستهدفة للشركات ، وهو أمر حتمى لتنظيم الأوضاع داخليا فى ظل التأثر بالتغيرات الاقتصادية ، وتفرض كل هذه العوامل تحديات قوية أمام الشركات لتخطى العقبات الاقتصادية الراهنة، بالاتجاه نحو استغلال الفرص المتاحة خارجيا .